كتب المحامي عبد الحميد عباس دشتي – الكويت
annahar@annaharkw.com
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=54546
ربما لا يعرف الكثير من الأخوة العرب, حجم المعاناة الإنسانية التي تعرض لها الشعب الكويتي بسبب غزو صدام حسين لبلدهم , (وهو أمر أدى إلى معاناة أكبر لفقراء العراق والمضطهدين من شعبه مرتين , مرة على يد الطاغية ومرة على يد الغزاة المجرمين ) حتى أن بعض الأصدقاء في مصر وسورية ولبنان والأردن والمغرب العربي,لم يتقبلوا مني في عدة مناسبات , ما رويته لهم عن الممارسات الصدامية إبان الاحتلال الذي وقع على أهل الكويت وقوع الورود إلى الجحيم.
أولاً: لأن ثماني سنوات من حرب العراق على إيران ,كانت أكثر من برهان على حجم التضحيات الهائلة التي ضحى بها الكويتيون , حكاما ومحكومين من أجل صدام ومن أجل العراق وجيشه . وللأمانة التاريخية, لم يكن كل الكويتيين راضيين أو مخدوعين بالأهداف الحقيقة لحرب صدام حسين على إيران.
وثانياً: لأن العراقيين , والكويتيين شعبين عربيين شقيقين على مر التاريخ, يجمعهم النسب والدم والمصاهرة والدين والقومية والتاريخ , فكيف لرجل أمن عراقي , أو لجندي عراقي , أن يطيع ديكتاتوراً مهما كانت سطوته , فيضطهد أهله وإخوته وأبنائه, كما اضطهدنا الجيش الشعبي الصدامي والحرس الجمهوري والمخابرات الصدامية.
استذكرت كل ذلك اليوم , السادس والعشرين من فبراير , ذكرى تحرير الكويت من صدام, ذكرى أليمة رغم فرحتنا بها اليوم وفي حينها . أليمة لأننا لن ننسى شهداء كانوا معنا ورحلوا , لأن بلدا شقيقا مفترضا لنا غزانا ونهب ديارنا ويتم أولادا لنا وشرد مئات الآلاف منا , ولأي سبب ولخدمة من؟
ولو أنه بدل غزونا استدار إلى الشقيقة سوريا والأردن فأرسل جيشه الجرار يقاتل مع السوريين لتحرير الجولان ويقاتل من الأردن لتحرير القدس ,في تلك الحال هل كان الكويتيون سيتأخرون عن دعمه والبذل في سبيل تحرير القدس والجولان؟
الم يكن من العار أن يحررنا الغرباء من الأشقاء؟ وهل لنا أي خيار في وجه إجرام صدام إلا ما حصل؟
استذكرت ذلك وأنا أتجول بسيارتي في طرقات الكويت التي لم تفتح عيناها بعد على نهار جديد. يوم عطلة وراحة وفرحة, وأول استرخاء في سرير بلا إزعاج التفكير بالوصول والعمل قبل الزحمة وفقدان المواعيد.
كنت في طريقي من الرميثية إلى مقابر الشهداء , بعد أن صليت الفجر.بزغت الشمس , وأنارت طريقي , وأنارت معه ذاكرتي فاستعدت الذكريات .
تذكرت ذاك الشيخ الوقور الذي يملك إيمانا لا تزعزعه الجبال ,وكان يملك عزيمة وجرأة لا يملكها عادة الحكام والأمراء.
تذكرت حاكما , يعرض على الناس شراكة في الحكم , هكذا بلا ضغط ولا مظاهرات ولا ثورات ولا قلاقل واضطرابات.
هكذا فعل فينا صاحب اليد البيضاء ,المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح طيب الله ثراه في مطلع الاستقلال , كنا حالة من بين حالات في المنطقة حيث لا دساتير و لا قوانين إلا قانون العشيرة و القبلية .الشيخ عبد الله السالم رحمه الله كان مختلفا , لأن الكويت كانت و لا زالت
مختلفة،أهلها أهل بحر و سفر ,و أهل معرفة و تعارف و اختلاط , لا تخلف و لا تنكر للأخر المختلف و لا كراهية ننشرها باسم الدين و الأمير , بل محبة على محبة صنعت كويت اليوم والأمس .
أنشأ الأمير الغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح طيب الله ثراه , اللجنة التي وضعت الدستور , و سن القوانين , و حول إمارته من مشيخة على الطريقة التقليدية , إلى إمارة ينتخب مشرعوها و أعضاء مجلس الأمة فيها من الناس ( ولو كان هناك قصور بمنع النساء من التصويت ) و يقر تعيين ولي عهد الأمير من أعضاء مجلس الأمة بناء على اقتراح الأمير , أي أن الأمير المقبل على الدوام يصل إلى منصبه بناء على مبايعة شعبية بواسطة أعضاء منتخبين من الشعب .
وطبعا , كان هذا التطور في العام 1961 بالنسبة للدول المحيطة بالكويت , أمرا غير مقبول على الإطلاق . لهذا كانت المؤامرات و الدسائس متواصلة منذ ذلك الوقت على الكويت و أهل الكويت (خصوصا عبر محاولات شق الشعب الكويتي إلى طوائف و أنساب و أحلاف )على يد أرباب الدعوات و الادعاءات الرجعية و التحجر في الداخل , و ممارسة الانحلال في الخارج .
كان ذلك الزمن , زمن البيع و الشراء بالكلمة , و التزويج بالوعد , و العشق بالقلب , و المحبة الساحرة الساخنة الجامعة بين الحضر و البدو و بين أهل البحر القلاليف , بين النواخذة و المتعلمين , بين التاجر و البحار و الراعي و الصناعي و الموظف و العسكري
كانت الكويت وقتها أرض التكافل و المودة و العطاء . لا أرملة جاعت و لا يتيم افتقر و لا بيت أقفل . أهل الخير في وقتها كانوا يموتون و تفتح وصاياهم , فترى الذي أوقف ماله بعده للعطاء و للبذل , و ترى الذي يوصي بدل الثروة لاولاده بالنصيحة بأن يثبتوا على التصدق و الصدق .
نعم , كانت الكويت مؤلفة من ثلاث محبات :
محبة الراعي لرعيته , و محبة الرعية للحاكم , و محبة الكويتي للكويتي مهما كان أصله و نسبه و جذعه .
مررت في يوم التحرير على كل تلك الذكريات , و تذكرت عند قبور الشهداء , الخوف و الجوع و البغضاء التي أشاعها جيش صدام , نساؤنا هتكت , و أولادنا ضربوا و سجنوا و عذبوا , كدنا نموت من العطش و الجوع , لولا المحبة التي عادت وقتها لتنقذ اهل الكويت الذين بقوا في الداخل , فألفوا اللجان الشعبية , و تقاسموا اللقمة و قطرة الماء , و أسعفنا حكامنا الأفاضل من المنفى بالمال و السلاح و الذخيرة المعنوية .
ذخيرة معنوية كانت أرقاها يوم نادانا نحن الصامدون تحت الظلم الصدامي , شيخين جليلين وقورين الأول هو المغفور له الشيخ سالم صباح السالم الصباح , و الثاني هو ولي العهد في ذلك الوقت , شفاه الله سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح , يوم نادايانا من الخفجي عبر أثير الاذاعة الكويتية المؤقتة قائلين :
"يا أبناء الكويت , يا أبناء محمد و علي , يا شيعة أهل البيت عليهم السلام بارك الله في مقاومتكم الخ "
كلمات من شيخين وقورين , لطالما خالفناهما في بعض الأمور و اختلفنا معهما في الكثير من الأمور الأخرى , و لكن ضمن نبراس المحبة و الولاء , فجاءت كلماتهما البسيطة المعبرة بلسما على جرح كل كويتي و كويتية و وقودا لمحركات المقاومة الوطنية الباسلة .
وما أحوجنا اليوم للبلسم الأميري يا سمو أمير البلاد وقائد العباد الحبيب بو ناصر (...)
ما أحوجنا إلى المحبة فيما بينك وبيننا, وكم اشتقنا لعادات أهل الكويت الأولين, الذين لا نشك بأنك يا سمو الأمير واحدا من رعيلهم الثاني الخالد ولكن.....
رحمة بالكويت يا أمينا على الكويت وأهلها, رحمة بتاريخ الكويت , رحمة بأهل الخير في الكويت وأنتم منهم أيها العزيز الحبيب.
نصارحك لأنك الملجأ والمؤل والسند في المصيبة , ومصيبة كل كويتي اليوم هي انتشار الآفات الكارثية التي لا يمحوها إلا جبار يحبه الكويتيون ويحبهم , جبار بالمحبة يوحد الكويتيين خلفه لضرب المفسدين , وانت لها يا بو ناصر ونحن معك في نصرة الحق.
وإليك الآفات التي تحتاج منك إلى نظرة غضب , إلى حركة فاعلة تقودنا بها وإلى قرارات صعبة سوف نتحملها معك, لأنك القائد وعلينا الطاعة والنصيحة:
* التكفيريون الذين ملكوا ساحات لم تكن لهم على مر التاريخ, وقد حصلوا عليها بفعل المساندة المشبوهة من الخارج والداخل , وبفعل إستخدام بعض أهل الحكم للتكفيرية (دينية كانت أم طوائفية أم عنصرية مناطقية) لحماية أنفسهم ونفوذهم وفسادهم من القانون.
* بعض الصحافة المأجورة التي تعتدي على حرمات الناس بالباطل , وتتطاول على الكرامات وتثير النعرات وتبث الفتن دون وازع و لا ضمير، و بعضها أنت أعرف به يا سمو الأمير منا، لأنه طالك منه بعض الأذى. و لهذا يا بو ناصر نحتاجك في هذه الملمة التي لا حل لها إلا بسيفك وعزمك، دون التعرض للحرية و الديمقراطية و لكن... شتان بين الحرية و بين بث الإشاعات بأوامر خارجية و شتان بين صحافة من الكويت لأهل الكويت، و بين صحافة تبيع المقال بالكيلو و الشيكل و بعملات أخرى غير الكويتية.
* بعض أفراد الأسرة الكريمة التي لا نعرف و لا نريد في الكويت إلا بعضاً منها حكاماً و أمراء لنا بالرضا و القسطاس، و لكن السكوت عن بعض أبنائها لم يعد جائزاً لأنه فعل اعتداء على شرف أسرة آل الصباح المبجلة، قبل أن يكون اعتداء على مال و كرامة و وجود شعب الكويت.
بعض أعضاء الأسرة يا سمو الأمير، يدسون الدسائس على الكويتيين بالقانون و إن لم يستطيعوا فبالصحف المأجورة، و بعضهم الأخر يغطون حروباً تشنها صحف محسوبة على الكويت و هي و الله شتيمة لأهل الكويت و لصحافة الكويت الحرة المحترمة.
أنتم يا سمو الأمير,أدري و أعرف بمن نقصد، و إن سمح وقتكم و بحكم الطاعة و الاحترام و الأخوة و المحبة، سيكون من دواعي سروري العظيم أن تسمعوا لنا شخصياً مما نشكي و يشتكي أهل الكويت.
عيدكم مبارك ياسمو اميرنا المبجل بوناصر . وعساك على القوة
Diwandashti.blogspot.com